تعدّ الأحداث الإبداعيّة عنصرًا مهمًا في البيئة الإبداعية، فهي تحتفي بفكرة الاستكشاف والتعبير الإبداعي، وتوفر منصة يستطيع المحترف فيها التواصل مع كل مبدع، وتمكّن كل مصمم من تحقيق الدخل من خلال تسويق وبيع منتجاته. كما تمتلئ دومًا هذه المساحات/الأحداث بمشاعر الحماس من الأشخاص الذين يتشاركون ذات الشغف والرؤية والموهبة، إلا أن هذه الأحداث لا تكون بالضرورة مرحبة بالجميع أو شاملة لهم. إذ لطالما كانت محصورة على طبقة معينة من الناحية المادية؛ مما يجعل المشاركة فيها أصعب للأشخاص القادمين من خلفيات اجتماعية واقتصادية أقل حظًا، فضلًا عن حقيقة قلة مشاركة الأشخاص من غير المصممين.
وعلى ضوء ذلك، يأتي مؤتمر إثراء الإبداعي "تنوين" ليقدم ما في جعبته بدون مقابل، أو بمقابل رمزي فقط، حيث تكون الفعاليات متاحة لجميع الزوار، فعلى الرغم من أنها تستهدف المصممين والمحترفين؛ فهي ليست حصرًا عليهم، إذ يتيح إثراء التجربة الإبداعية للجميع، ليتمكن الزوار من الاستمتاع بتجربة ما يحويه عالم التصميم.
تعمل الأحداث الإبداعيّة المتاحة للجميع على إزالة الحواجز الاجتماعية والاقتصادية وتخلق بيئة مثالية لتطبيق الإبداع بشكل فعلي. إذ لا يقتصر الأمر على تمهيد الطريق لخلق محتوى أكثر تنوعًا لجذب شريحة أوسع من الناس، بل يمكن أيضًا جذب غير المصممين وتحفيزهم على بدء التفكير بالتصميم. مما يفتح المجال أمام العديد من الأشخاص ليبدأوا في التفكير في مهن لم يعلموا أنّها كانت متاحة لهم من قبل، عدا عن التأثير الإيجابي للتعبير الإبداعي على الاتزان العقلي ومستوى الرفاهية. وبالتالي، تساعد الأحداث الإبداعية التي على شاكلة مؤتمر إثراء الإبداعي "تنوين" في إعادة تعريف حدود الإبداع وقدرتها على تحسين حياة الجميع، مع التأكيد على حقيقة أن الإبداع متاح للجميع، ويمكن استلهامه من مختلف مجالات الحياة اليومية.
وعلى سبيل المثال، يقول الفنان والأكاديمي الهولندي آرني هيندريكس في لقاءٍ ملهم له خلال "تنوين" بأن البساطة أجمل، وأن تمضية بعضٍ من الوقت للتأمل في الأفكار المختلفة غالبًا ما يقود إلى خلق المزيد من الحوار والتنوير والتعاون والابتكار والتطور. كما أنه يطرح لنا نجم كرة السلة، جيمس هاردن كمثال، وذلك لشهرته باتخاذ خطوة إلى الخلف عند التسديد ليربك بها خصمه ويتمكن من التسديد بنجاح. إذ يعتقد هيندريكس بأن خلق المساحة الكافية والتباطؤ يساعدننا في إطلاق العنان لعقولنا وإفساح المجال لمزيد من الآراء الأخرى مع تحفيز لغة الحوار والشراكة والتطور والنمو.
منذ انطلاقة مؤتمر إثراء الإبداعي "تنوين" قبل خمس سنوات احتل مكانةً كحدث سنوي هام في التقويم الإبداعي للمملكة. حيث أُطلق في عام 2018م تحت عنوان "الزعزعة: استجابة إبداعية للتغيير" بينما كان موضوع عام 2019م تحت عنوان "اللعب: مكون رئيسي للتفكير الإبداعي". ومع انتشار جائحة كوفيد 19 في عام 2020م، اعتمد "تنوين" نموذجًا هجينًا ما بين العالم الافتراضي والمادي تحت عنوان "القادم الجديد: الإبداع للمستقبل". وفي عام 2021م، شهدنا الموسم تحت عنوان "الأدوات: بناء الإبداع" بينما في عام 2022م كان التركيز على "التعاون من أجل الإبداع" الذي يسلط الضوء على التعاون بين الثقافات والتكنولوجيا التي تستخدم الطبيعة لصالح المجتمع. وفي عام 2023م، سنشهد موضوعًا جديدًا تحت عنوان "المدى".
تستند الفرضية على أن الإبداع يساعدنا على تحسين الممارسات الفعالة والتجارية في وقتنا الحالي. وبالمثل، يمكن للابتكار أن يحول التصاميم أو الأفكار إلى منتجات أو خدمات أكثر قابلية للتسويق. ولتعزيز الإبداع والابتكار في المملكة العربية السعودية، يجمع برنامج "تحديات تنوين" المبدعين الصاعدين بالشركاء المعرفيين بهدف حل مشكلات العالم.
وكان أحد هذه التحديات هو حي الخُبر الشمالية الذي أصبح مركزاً للاستثمار والتجديد بفضل موقعه التاريخي. ففي هذا التحدي طُلب من المشاركين التوصل إلى هوية بصرية جديدة للمنطقة تتجسد في لافتات المتاجر، إذ يتطلب إنشاء تصميم فعال مشاركةً حكومية محلية إلى جانب مساندة المواطنين وأصحاب المتاجر من أجل وضع خطة لافتات شاملة تنجح في توحيد وتمثيل الهوية البصرية للحي. مما أدى إلى ولادة علامة تجارية جديدة جعلت الخبر الشمالية منطقة عتيقة ذات لمسة عصرية، حيث يمكن للشباب التعرف على الموقع التراثي والارتباط بسياقه الحديث.
وتضمن تحدي آخر من "تنوين" مجال صناعة الأزياء وعقباته ومساوئ الإفراط في الإنتاج والاستهلاك إلى جانب ظهور الملابس والاكسسوارات الرخيصة سريعة التلف. إذ شجع تحدي أزياء التكنولوجيا الحيوية المصممين على تصميم الملابس أو الإكسسوارات باستخدام مواد جديدة وتقنيات تصنيع رقمية ونماذج أعمال تكون صديقة للبيئة ومسؤولة اجتماعيًا. وبذكر ذلك فقد فازت "مناهل القاسم" بالمسابقة بتصميمها لحقيبة الكمبوتشا الجلدية، المستوحاة من التراث السعودي والهندسة المعمارية النجدية القائمة على الطوب والمنتشرة في وسط الجزيرة العربية. كما استطاعت مناهل الوصول إلى مركز الباسك للتصميم الحيوي في إسبانيا حيث عُرضت فكرة مشروعها الفائز خلال أسبوع بلباو للتصميم إضافةً إلى أسبوع التصميم في ميلانو في عام 2023م.
إن مناسبات التصميم الشاملة ومنخفضة التكلفة تجعل الإبداع متاحًا لأي شخص يرغب في تجربته، حيث تعمل هذه الأنواع من الأحداث الإبداعية على إزالة الحدود الاجتماعية والاقتصادية وإخراج التفكير التقليدي من مجراه نحو الإبداع في التصميم، مما يلهم الأشخاص الذين ربما لم يفكروا حتى في هذا المجال قبل ذلك. فضلًا، عن إمكانية أن تساعد هذه الفعاليات في تحسين الاتزان العقلي من خلال توفير منصة للتعبير الإبداعي.
ومن هذا المنطلق باستطاعتنا أن نميز دور "تنوين" في إعادة تشكيل فكرة التصميم وقدرته على التأثير على الإبداع وحياة الناس، مما يدل على أن الإلهام يمكن أن يأتي من جميع جوانب الحياة ويترك بصمته عليها.
بقلم زهراء شيكارا