أبواب المركز مفتوحة حتى الساعة 12:30 ص
مهرجان أفلام السعودية يحتفل بدورته العاشرة
يُعرف مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) بكونه منارة للثقافة والإبداع، مع مرافق متعددة تحتضن كافة أنواع الفنون السبعة، إلى جانب احتضانه للعلم والابتكار اللامحدودين. إلا أن المركز وفي مجموعة أيام محددة من السنة، يُقبل بوجه مختلف طيلة ثمانية أيام متواصلة، ليتحول إلى كرنفال فني جماهيري خلاّق، جاعلًا ما يدور بداخله انعكاسًا لصناعة جديدة، يسير الشباب على طريقها للوصول والتعبير عمّا في دواخلهم.
"مهرجان أفلام السعودية" من تنظيم جمعية السينما بالشراكة مع مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) وبدعمٍ من هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة، الذي يتكلل نجاحه مع العام العاشر له، مطلًا بأناقة، بعينين طموحتين وقلب يُعبّر عن شغف مُشتعل.
إثراء كسينما ضخمة
في هذه الأيام الثمانية يتحول إثراء إلى سينما ضخمة، فالمسرح يتبدل ليصبح سينما كبيرة، والقاعة الكبرى تغدو صالة ذات طاقة عالية يتجول فيها الجميع لتبادل حديث ذي شجون عن السينما والأفلام. وبين هذا وذاك في منطقة البلازا، تُصادف في كل دقيقة مشهورًا بملامح مألوفة، من شاب يضع قدمه على العتبة الأولى من سُلّم النجاح وحتى مخضرم بمسيرة هائلة ثرية، وكأنك بهذا تسير بين الأفلام كما لو أنها كائنات بشرية، بأقدام تسير، وعقول تفكّر، وأفواه تتكلم! وما بين البينين تتعالى ملصقات الأفلام كلوحات فنية ساحرة، ما يجعلها ممتعة للنظر والتأمل، خاصة لكونها مطبوعة بعناية، ومصممة بطريقة فنية، لا تشبه تلك التي نراها دومًا في السينما. على صعيدٍ آخر سترى معرضًا للصور يأخذك في رحلةٍ داخل الرحلة عن المهرجان منذ بداياته وحتى الدورة العاشرة، فبنظرة متأملة سترى أرقامًا مدهشة تفصح عن مشاركة أكثر من 70 فيلمًا في هذه النسخة ما بين روائي ووثائقي، وسبع ورش تدريبية عن صناعة الأفلام وما يدور حولها، أما عن أبرز الأرقام التي احتفى بها المهرجان منذ انطلاقته فقد حقق 100 ألف زائر له مع ختام النسخة الأخيرة، وأكثر من 1000 مشارك فيه، وما يزيد عن 2000 سيناريو غير منفذ قُدم عبره. ومن تجربة المعرض إلى تجربة تتمكن فيها من معايشة الإنتاج السينمائي الافتراضي، في سياق محور هذا المهرجان الذي اندرج تحت "الخيال العلمي" والذي وقع الاختيار عليه لكونه النوع الأصعب والأكثر ندرة في السينما العربية كما ذكرت الأستاذة هناء العمير -رئيسة مجلس إدارة جمعية السينما السعودية- في كلمتها خلال حفل الافتتاح.
أفلامٌ وأحلام
وبعد هذه اللمحات الحالمة، إن تقافزت الأفكار الملهمة في رأسك أو لمعت في ذهنك فكرة مُلحّة، فالمخرجون والمنتجون والكتّاب والصنّاع والممثلون في سوق الإنتاج يتواجدون هناك ويتناقشون. وإن أشحت النظر قليلًا نحو البرج، فسترى في كل دور وقاعة احتفاءً بطريقة معرفية مختلفة، مع المحاضرات وورش العمل التي تناقش الإنتاج والتحرير والكتابة والصحافة السينمائية، أما لو توجهت نحو المكتبة فستجد كتبًا سينمائية مختارة بعناية، من أعمال تُحلل أفلام "ستيفن سبيلبرغ" أو تقدم نظرة "كوكتو" أو تقرأ ما قدمه "هيتشوك" من سينما تشويق. ليقدم كل فرد في إثراء نفسه كعاشق للأفلام والسينما، معبرًا عن ذلك العشق دون استحياء، إما بقراءة نقدية، أو رؤية فنية، أو خُطةٍ جادة، أو حتى احتفاءٍ بالحضور.
المهرجان في أيام
في اليوم الأول استُهل "مهرجان أفلام السعودية" بحفل أنيق، لمعت فيه نجوم السينما السعودية كالجواهر على مخمل فاخر، متفاعلين وسعيدين بوجودهم بين أهليهم في مدينة الظهران وفي مركز إثراء الذي بات بمثابة "البيت" كما تصفه الفنانة السعودية خيرية أبو لبن والفنان السعودي براء عالِم. وفي اليوم الثاني عُقدت ندوة مع الممثل السعودي القدير "عبد المحسن النمر" حدثنا فيها عن منجزاته ومسيرته بصفته الشخصية المكرمة للمهرجان، واختتم الحوار بتوقيعٍ كتاب "أجنحة الممثل وأحلام الطريق"، وفي الأيام التي عقبتها توالت حوارات ونقاشات مثرية بين الصحفيين والنقاد والممثلين والمحبين للسينما، وضمن ذلك كان برنامج "أضواء على السينما الهندية" صحبه عرض فيلم "الابنة" وندوة الممثل الهندي "آيوش شارما"، وامتد الاحتفاء مع مجموعة برامج أخرى كماستر كلاس الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام، ومواضيع سينمائية شائقة عن شباك التذاكر السعودي أو الرسوم المتحركة أو غيرها من المحاور. أما في اليوم الخامس فقد أهدى المهرجان أهالي مدينة الخبر مركز "سينماتيك" الذي افتُتح ليكون مساحةً سينمائية-ثقافية توفر العديد من المزايا والخدمات لصنّاع الأفلام، كمكانٍ يضمهم كالعائلة طوال السنة.
زخمٌ من الجمال
ووسط كل هذا الزخم من البرامج طيلة أيام المهرجان، وما بين كل ندوة وحوار وتوقيع كتاب، عُرضت أفلام قصيرة وطويلة لمخرجين سعوديين وخليجيين، حيث كانت تُقسم الأفلام على هيئة مجموعات، فالأفلام القصيرة في مجموعة، والطويلة في مجموعة لوحدها، يلي ذلك صعود صُنّاع العمل أمام الجمهور لشرح أفكارهم وتلقي الأسئلة، مستقبلين بذلك ردة الفعل الأولى، بحضور نُخب ومتذوقين جيدين للسينما، مما أتاح فرصة استثنائية للصانع، ليرى ويتفاعل ويستمع إلى ردود الأفعال، كفرصة ذهبية تطرح نفسها بشكل تلقائي مع وصول الفيلم إلى المهرجان، فهناك دومًا احتمالية كبرى أن يحضر فيلمك فنان بسيرة قديرة، أو كاتب بخبرة كبيرة، أو ناقد بوقعٍ مهم، أو صحفي صاحب رؤية ليشاهد فيلمك ويحاورك عمّا قدمته من عمل.
وبعد كل هذه المحطات المدهشة إن أردت أن تصنع لنفسك ذكرى لا تُنسى، فمنصة التصوير تنتظرك، ورؤية النجوم على السجادة الحمراء ستبهرك لاكتمال العقد الفريد منهم ما بين فصل البداية والنهاية، مع حضورهم وفوز أفلامهم إما بالدعم في سوق الإنتاج، أو الحصول على جائزة كبرى في الحفل أمام جمهور من النجوم، محملين بذلك بآمال طموحة لتدوير عجلة جديدة من الأحلام والأفلام لإثراء الصناعة المحلية، كما حدث مع صنّاع فيلم "هجّان" بحصولهم على أربع جوائز في فئات مختلفة.
إنها رحلة مذهلة من الجمال والإبداع، تُسحر فيها الألباب كما لو كنت غارقًا في عملٍ لـ “ميازاكي"، أو فيلمٍ من أفلام الخيال الموغلة في الدهشة للفرنسي "جون بيير جونيه"، حتى آخر محطة إن قررت إنهاء رحلتك وهممت بالرحيل والعودة إلى ديارك، حيث سيودعك البناء العظيم واسم المهرجان منعكسًا عليه، ليبدو كجوهرة ثمينة، نُقشت عليها كلمات بماء الذهب.
إنها ثمانية أيام في حب الأفلام، لا تشبه غيرها من الأيام، في مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء).
بقلم: ريم الرتوعي