أبواب المركز مفتوحة حتى الساعة 11:30 م
بقلم: زهرة شكارة، إثراء
يأتي هذا العام مختلفًا عن غيره من الأعوام، خصوصًا حين يتعلق الأمر بالإبل ، فقد اختارت منظمة الفاو التابعة للأمم المتحدة عام 2024 ليكون "العام الدولي للإبل"، بينما أدرجت اليونسكو "أغنية الإبل" ضمن قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي. وعلى الصعيد المحلي، أعلنت وزارة الثقافة السعودية عام 2024 عامًا للجمل، احتفاءً بهذا الكائن الفريد كرمزٍ للثقافة السعودية والعربية. يأتي هذا التكريم في إطار الدور المتنامي للمملكة في النقاشات العالمية حول الثقافة، والأمن الغذائي، والاستدامة البيئية. من خلال تسليط الضوء على قطاع الجمل والجهود المستمرة لتطويره، تسعى المملكة إلى تعزيز أهمية الجمل من النواحي الثقافية والتاريخية والجغرافية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى العالم.
تُعد التقاليد المرتبطة بالجمل جزءًا متأصلاً من النسيج الثقافي والتاريخي للمملكة العربية السعودية، فقد كانت جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية عبر العصور. تشمل هذه التقاليد مختلف جوانب الحياة؛ من الأدب، واللغة، والنقل، إلى التجارة والنظام الغذائي والحرف والعادات الاجتماعية. قبل الإسلام، في الجزيرة العربية، كان للجمل مكانة مقدسة في نفوس الناس، وكان موضوعًا خصبًا للشعر والأدب.
تاريخيًا، كان للجمل دور حيوي في حياة البدو في شبه الجزيرة العربية. فبصفته "سفينة الصحراء"، لم يكن الجمل مجرد وسيلة للنقل، بل كان مصدرًا للغذاء والمواد الأساسية، إذ قدّم للبشر الحليب، واللحم، والجلود، وشعر النسيج. كما تمكن الجمل من تسهيل عبور المسافات الشاسعة في الصحراء القاسية، مسهمًا بذلك في تطوير طرق التجارة البرية القديمة مثل طريق البخور، الذي ربط المدن والقرى عبر مساحات شاسعة من الأراضي القاحلة.
كما ورثت المملكة العربية السعودية تقاليد عريقة في تربية الجمال، حيث تركزت على تعزيز الصفات المميزة مثل السرعة، والتحمل، والجمال. هذه الجهود أدت إلى ظهور منافسات تقليدية مثل سباقات الجمال ومنافسات الإبل الجمالية. يُعد الجمل العربي ذو السنام الواحد "حصان السباق" بين فصائل الإبل، حيث ترفع خصائص مثل الأناقة، والشعر الرفيع، والقدرة العالية على التحمل من قيمته. وفي الوقت الذي توجد فيه أكبر تجمعات للجمال في شرق إفريقيا، تحتضن السعودية اليوم حوالي 600,000 جمل.
يُعتبر سباق الجمال رياضة ذات جذور تاريخية عميقة في الثقافة السعودية والخليجية. واليوم، تشهد هذه الرياضة تنظيمًا أكبر وإقبالاً أوسع، حيث تقام السباقات ضمن مهرجانات ومناسبات خاصة، مما يضفي على الحدث بعدًا ثقافيًا وترفيهيًا واجتماعيًا. وقد انتقلت هذه الرياضة إلى دول أخرى مثل أستراليا ومنغوليا، وشهدت تطورًا ملحوظًا مع إدخال الفرسان الآليين وتقنيات التدريب المتطورة. وعلى سبيل المثال؛ يجذب مهرجان الملك عبد العزيز للإبل مشاركين ومتابعين من مختلف أنحاء العالم، مما يعزز مكانة هذه الرياضة عالميًا.
وبالرغم من توفر لحوم الإبل في المملكة، إلا أنها تُقدم غالبًا في المناسبات الخاصة فقط. وفي خطوة لتعزيز قيمة حليب الجمل، قام القصر الملكي في الرياض في عام 1978 بتأسيس مصنع آلي لاستخلاص الحليب، مما أسهم في جعل هذا المنتج أكثر توافرًا في الأسواق. كما يُعرف حليب الجمل بفوائده الغذائية، فهو منخفض الدهون وغني بفيتامين ج، ولكنه يتلف بسرعة، ويُستخدم في العديد من الأطباق التقليدية وكعلاج لبعض الأمراض.
ومن المثير للاهتمام كذلك أن مسابقات جمال الإبل تُعد جزءًا راسخًا من التراث السعودي، حيث يُقيّم الجمال بناءً على معايير جمالية محددة تشمل شكل السنام، والرؤوس، والمظهر العام. وغالبًا ما تكون هذه المسابقات جزءًا من مهرجانات ثقافية أكبر تسهم في الحفاظ على القيم والتقاليد التراثية.
يظل الجمل حاضرًا كرمز لتراث السعودية ومرونتها عبر العصور؛ إذ يظهر بوضوح في الفنون، والشعر، والفولكلور، حيث يجسد اتصال المملكة العميق بالصحراء، ويلعب دورًا محوريًا في مختلف المهرجانات الثقافية مثل مهرجان الجنادرية. وعلى غرار هذا؛ يُحتفى بالجمل في معارض متعددة مثل معرض إثراء "الجمل عبر العصور"، وهو جزء من احتفالات إثراء بعام الجمل. ومن خلال إنتاجات مثل فيلم "هجّان" و"حَادِي العِيسَ"، يُسلط إثراء الضوء على العلاقة التاريخية والرمزية بين الإنسان والجمل في الثقافة السعودية.
للتعرف أكثر على الجمال ورؤيتها في الفنون البصرية، تُرجى زيارة معرض "الجمل عبر العصور" في قاعة المتاحف في إثراء، الذي يقام حتى نهاية نوفمبر 2024.