إنّ شخصيّة شريك "الغول الأخضر" المفضلة لدى الجميع، شخصيّة معكوسة ذات عمق بامتياز، فما أن تنطفئ أضواء المسرح تمهيدًا لعرض "شريك ذا ميوزيكال" ويظهر الرأس الأخضر الأصلع ذو الأذنين الكبيرتين، حتى تبدأ حكاية لا تكاد تنتهي من التناقضات والأحداث والأشياء التي لا تعني ظاهرها على الإطلاق.
يحظى شريك العرض الموسيقي بشعبيّة كبيرة بين جمهور الأطفال والبالغين على حدٍّ سواء، إذ تقدم هذه الكوميديا الموسيقيّة المليئة بالمرح والضحك تجربة استثنائيّة لمشاهديها، من خلال عشرات الشخصيّات الراقصة النابضة بالحياة، وتجسيد أبطال الفيلم الذين جلبهم شريك معه إلى خشبة المسرح لأدوارهم، ليفتحوا آفاقًا جديدة من المتعة مع كلّ مشاهدة، كما أن العرض المسرحي يدور في أجواء ساحرة من المغامرات الخرافيّة. وليس من الصدفة أن يفوز عرض " شريك ذا ميوزيكال " بثلاث جوائز: جائزة " Tony " و" Drama Desk " وجائزة "Olivier"، بعد أن نال الفيلم الأصلي جائزة الأوسكار.
استند الفيلم إلى قصة للأطفالِ من تأليف ويليام ستيغ، تدور أحداثها حول غول يترك منزل طفولته في المستنقع ليخرج إلى العالم، ولم تختلف قصّة الفيلم كثيرًا عن القصة الأصليّة إذ أضافت اللمسات السينمائيّة إلى السيناريو حبكة، جعلت الغول يخرج مكرهًا من عزلته التي لجأ إليها بسبب سوء الفهم الذي طالما تعرض إليه، قبل أن ينطلق في رحلته الملحميّة برفقة صديقه الحمار، إذ يتناول الفيلم من خلالها فكرة الصداقات العفويّة والرومانسيّة غير المتوقعة، ويركز بشكل أساسيّ على جوهر القصة وموضوعها الرئيسي، وهو: كيف يكون الاختلاف رائعًا، وكيف يكون الجمال جمالًا دون أن يكون بالضرورة جميلًا، ولقد أصبح شريك رمزًا للوقوع في حبّ شخص ما بسبب شخصيّته، حتى أن المشاهد الذي يخرج من قاعة السينما دون أن يؤمن بأنّ الحبّ فكرةً لا يمكن الوصول إليها من غير نفاذ إلى عمق الشخصيّة، هو مشاهد اكتفى بمشاهدة فيلم آخر من أفلام الأطفال لا أكثر.
لم يكن فيلم شريك صاحب السبق في سينما الفانتازيا الهزليّة، إنّما على العكس جاء ليقلب الطاولة على النمط التقليدّي البرّاق، ويعيد الحيويّة إلى الحكايات الخرافيّة والشخصيّات السحريّة، فالأميرات لا يدوم جمالهنّ في جميع الأوقات، والبطل الذي يسحر الأميرة بشخصيّته ليس دائمًا فارسًا وسيمًا ومقاتلًا ذفذًّا. إذ أنّ الخصوصيّة الكبرى في شريك ومن معه من الشخصيّات الرئيسيّة والثانويّة، تكمن في تميُّزهم بمستوى من العمق والتعقيد الذي يمثّل بلا شك تحدّيًا أمام التوفيق في الجمع بين إبراز البيئة السحريّة للقصة ذات الطابع الفانتازي المرح من ناحية، والغوص في ثنايا الشخصيّات والتعامل مع هذا العمق والتعقيد من ناحية أخرى، ولعلّ الاستعارة التي كرّرها شريك أكثر من مرّة في حواره مع الحمار تلقي الضوء على هذا الجانب، حين يقول: "إن الغيلان مثل البصل"، إذ تغلفه تلك القشرة البراقة من الخارج التي تكفي إزالتها لنجد أنفسنا وجهًا لوجه مع الطبقات المتتالية في أعماقه. ويقف شريك بسلسلة أفلامه وعروضه المسرحيّة الموسيقيّة في مفترق الطرق بين سينما الطفل وسينما الأفلام الأكثر نضجًا، لا بل يحتفظ بموطئ قدم في كلا العالمين.
لا شك أنّ ازدواجيّة الفكرة ونقيضها هي من أهم المحاور التي ارتكزت عليها جزئيّات الفيلم، ويبدو هذا في إخراج البديهيّات في صورة معكوسة ذات أبعاد فلسفيّة: فالوحوش رومانسيّون مع الأميرات، والحمير والتنانين لها عواطف وأحاسيس، والغول يستحمّ في المستنقع ويتعطر برائحة حيوان الظربان، والأميرة الناعمة الهادئة تركل الحمار بفظاظة وغلظة. إذ يمكننا القول أنّ الوصفة السحريّة لنجاح شريك كانت هذه التوليفة الاستثنائيّة بين طابع كوميدي فانتازي، وبين تناول فلسفيّ يزيل قشرة البصلة ليغوص في طبقاتها. وفي نهاية المطاف جاءت العروض المسرحيّة الغنائيّة بالموسيقى والكوميديا لتتوج هذه التوليفة وتحوّلها إلى عمل إبداعيّ إنسانيّ يثير فينا أحاسيس الضحك والمرح، بنفس القدر الذي يثير به تساؤلاتنا ويوجه تفكيرنا نحو مناطق عميقة في أنفسنا، ظلت تنتظر فتحها على يد غول أخضر اللون خرج من مستنقعه لينشر البهجة حيثما مر.