حوار الحرف: التقاء الفن التقليدي بالفن المعاصر

"الصناعة اليدوية هي في جوهرها عملية تفكير. الحرف اليدوية في الفن المعاصر تعكس العلاقة الوثيقة بين يد الفنان وأفكاره." – النحات الغاني إل أنتسوي

لا تعد الحرفية مجرد تنفيذ للأعمال اليدوية، فهي حوار دائم بين الصانع والمادة، حيث يخلق الفنان معاني جديدة من العناصر البسيطة. هذا الحوار بين المادة والصانع هو ما يستكشفه الفنانون المعاصرون في أعمالهم. معرض "حوار الحرف" يعرض مجموعة مختارة من الفنون الإسلامية المعاصرة والتاريخية من مجموعة إثراء، ويسلط الضوء على أعمال عشرة فنانين معاصرين يمارسون الحرف التقليدية.

يتمحور المعرض حول مفهوم "إعادة التصورّ"، حيث يتم استكشاف التقاطع بين الفنون الإسلامية التقليدية والمعاصرة. كل قطعة يدوية تحتوي على جوهر صانعها، تمزج بين الثقافة والتقاليد والخبرة الشخصية. يركز المعرض على عملية الإبداع وقيمة "الصناعة"، من خلال استخدام مواد وأساليب تقليدية لإنشاء أعمال حديثة. ويستعرض كيف شكلت الحرف الإسلامية التقليدية أعمال الفنانين، مع وضع قطع معاصرة وتاريخية جنبًا إلى جنب.

الفنانون المعاصرون في هذا المعرض يستمدون إلهامهم من الحرف التقليدية، ويستخدمون تقنيات تم تناقلها عبر الأجيال. في استجابتهم لعالم اليوم، يقومون بتعديل هذه الأساليب للتعبير عن أفكار جديدة، مما يعكس هوياتهم الفريدة. استمرارية المهارات الحرفية وتطبيقها بطرق جمالية وعملية، تضمن بقاء الحرف اليدوية حية وقابلة للتطوير باستمرار.

الفن المتجذر في التقاليد

تقدم الفنانة السعودية المعاصرة عائشة خالد في عملها "الماء ينشد الظمآن" رؤية فنية مستوحاة من المواقع المقدسة في السعودية مثل الكعبة المشرفة، المسجد النبوي، وبئر زمزم. يُبرز هذا النسيج، المصنوع من طبقات من المخمل والمزخرف بدبابيس من الذهب والصلب، ألوانًا نابضة كالأزرق، والأخضر، والأسود، لتثير مشاعر روحانية عميقة ترتبط بتلك الأماكن المقدسة.

أما الفنان الصيني الحاج نور الدين مي قوانغ جيانغ، فقد دمج بين الخط الصيني وعناصر من الخط الكوفي العربي في عمله "بسملة/بسم الله"، ليبتكر أسلوبًا فنيًا جديدًا. بجانب هذا العمل، تُعرض مخطوطة قرآنية مكتوبة بخط اليد من القرن التاسع عشر. هذا الجمع يعكس حوارًا ثقافيًا ثريًا بين الثقافات واللغات.

يُعتبر فن القط العسيري، بأسلوبه الملوّن والمميز، جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية لمنازل عسير، وهو ما يتجلى بوضوح في الأعمال المعاصرة للفنانة السعودية فاطمة أبو قحاص. هذه التقنية الفنية التلقائية، التي تمارسها النساء في الغالب، تحوّل جدران المنازل إلى لوحات فنية تنبض بالحياة، حيث تعبّر كل تفاصيلها عن قيم المجتمع وإرثه. كل رمز وخط يحكي قصة، ما يجعل كل قطعة تجسيدًا للاحتفاء بالتقاليد والقيم المشتركة.

في سبعينيات القرن الماضي، بدأت الفنانة الأردنية منى السعودي بتجسيد العلاقة العميقة بين الفن والشعر من خلال عملها "تحية إلى محمود درويش I و  VII". استلهمت الفنانة منى في هذا العمل من جمال الطبيعة، حيث تظهر خطوط مطبوعاتها البسيطة التي تعكس الأناقة المميزة لأعمالها النحتية. بعد لقاء مؤثر مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش، أضافت أبياتًا من قصيدتين له إلى رسوماتها الأصلية. كان هذا العمل معدًا ليكون هدية لدرويش في عيد ميلاده في مارس 2009، ولكنه تحول إلى تكريم مؤثر بعد وفاته في 2008، ليبقى شاهدًا على إرثه الشعري وصوته الذي جسّد معاناة المنفى والصمود.

معرض "حوار الحرف" سيُقام في القاعة الأولى، ضمن سلسلة فعاليات مخصصة للاحتفاء بالحرف اليدوية، بالتزامن مع المؤتمر الدولي للفن الإسلامي لعام 2024. كما يتضمن الحدث معرض "في مديح الحرفي" في القاعة الثالثة، الذي يحتفي بإبداعات الحرفيين المتميزين من مختلف أنحاء العالم. يركز المؤتمر والمعارض المصاحبة له على أهمية الحرف الإسلامية التقليدية التي صمدت وألهمت رغم التحديات التي فرضتها الثورة الصناعية، كجزء من النهضة العالمية الجديدة.